
الكوميديا الإلهية
يرجع العديد من النقاد سبب تفرد نظم القرآن الأدبي في كونه خلق نظما أدبيا جديدا , ليس بالشعر أو النثر الذي اعتاده الجاهليون و لم ينجح أحد معاصر في الخروج بنسق نظمي مماثل له في تفرده اللغوي الإعجازي ..
"الكوميديا" ملحمة شعرية خالدة من أهم الأعمال الأدبية التي تفتق عنها ذهن بشري , وليدة إبداع الشاعر الإيطالي الأعظم "دانتي ألجيري" , وهي نوع فريد من الشعر إعجازه الأدبي يكمن في تفرده النظمي و السياقي و شمولية التناول الساحر لطبيعة الخطيئة , الفضائل , العذاب , الثواب و العقاب ....دون التمتع بقدسية القرآن طبعا ..
كانت هذه الملحمة تسمى بالكوميديا فقط حتى جاء الأديب الروائي بوكاتشيو جيوفاني و أضاف إليها الإلهية و هو الإسم الذي يعرف اليوم ..
قد يستغرب البعض تسمية "الكوميديا" على ملحمة شعرية متجهمة تتحدث عن الجحيم , الخطيئة و رحلة لتطهير الروح البشرية من الذنوب ... و السبب هو أن الشعر قديما يصنف إلى قسمين حسب التقسيم الأرسطي "تراجيدي أو كوميدي" و النظم التراجيدي في ذاك العصر يلتزم باللغة اللاتينية , بينما استخدم الشاعر الإيطالي "دانتي" لغة دارجة عامية في نظم قصيدته ..
رمز الثالوث المقدس "ثلاثة" , و هو عدد الأجزاء المكونة لهذه الملحمة " الجحيم , المطهر, الفردوس" ..و تنقسم كل منها إلى ثلاثة و ثلاثين كانتو "أناشيد " و كانتو واحد يعتبر مقدمة ليكون المجموع النهائي مائة ..
يبقى سؤال مدى تؤثر الشاعر الإيطالي برسالة الغفران لأبي العلاء المعري و قصة المعراج الواردة في التراث الإسلامي دون إجابة أكيدة لعدم توافر ما يوثق تاريخيا لهذه الفرضية , لكن التشابه في الفكرة لا تخطئه العين طبعا مع الاختلاف في التفاصيل و التركيب الأدبي ..
من خلال هذا الموضوع سأقوم بالتعليق على رحلة أسطورية أخاذة ناشدة "الخلاص" في بناء مترابط يدرس فيه الشاعر الله , الإنسان , الروح في بوتقة مبهرة واحدة مزج بها معرفته الميثولوجية و التاريخية بالحضارات القديمة و واقعه السياسي , و صهرها جميعا بحس مرهف نادر ..فكما تقطر من ملحمته أطروحات فنية جميلة مثل "صغريات الزهور التي يركعها صقيع البرد و تستعيد ثباتها على قدميها في أشعة الشمس" نجد فلسفة داكنة في وصف الطبيعة البشرية و تجهما قاتما في وصف أطلال الجحيم ..
...
"الكوميديا" ملحمة شعرية خالدة من أهم الأعمال الأدبية التي تفتق عنها ذهن بشري , وليدة إبداع الشاعر الإيطالي الأعظم "دانتي ألجيري" , وهي نوع فريد من الشعر إعجازه الأدبي يكمن في تفرده النظمي و السياقي و شمولية التناول الساحر لطبيعة الخطيئة , الفضائل , العذاب , الثواب و العقاب ....دون التمتع بقدسية القرآن طبعا ..
كانت هذه الملحمة تسمى بالكوميديا فقط حتى جاء الأديب الروائي بوكاتشيو جيوفاني و أضاف إليها الإلهية و هو الإسم الذي يعرف اليوم ..
قد يستغرب البعض تسمية "الكوميديا" على ملحمة شعرية متجهمة تتحدث عن الجحيم , الخطيئة و رحلة لتطهير الروح البشرية من الذنوب ... و السبب هو أن الشعر قديما يصنف إلى قسمين حسب التقسيم الأرسطي "تراجيدي أو كوميدي" و النظم التراجيدي في ذاك العصر يلتزم باللغة اللاتينية , بينما استخدم الشاعر الإيطالي "دانتي" لغة دارجة عامية في نظم قصيدته ..
رمز الثالوث المقدس "ثلاثة" , و هو عدد الأجزاء المكونة لهذه الملحمة " الجحيم , المطهر, الفردوس" ..و تنقسم كل منها إلى ثلاثة و ثلاثين كانتو "أناشيد " و كانتو واحد يعتبر مقدمة ليكون المجموع النهائي مائة ..
يبقى سؤال مدى تؤثر الشاعر الإيطالي برسالة الغفران لأبي العلاء المعري و قصة المعراج الواردة في التراث الإسلامي دون إجابة أكيدة لعدم توافر ما يوثق تاريخيا لهذه الفرضية , لكن التشابه في الفكرة لا تخطئه العين طبعا مع الاختلاف في التفاصيل و التركيب الأدبي ..
من خلال هذا الموضوع سأقوم بالتعليق على رحلة أسطورية أخاذة ناشدة "الخلاص" في بناء مترابط يدرس فيه الشاعر الله , الإنسان , الروح في بوتقة مبهرة واحدة مزج بها معرفته الميثولوجية و التاريخية بالحضارات القديمة و واقعه السياسي , و صهرها جميعا بحس مرهف نادر ..فكما تقطر من ملحمته أطروحات فنية جميلة مثل "صغريات الزهور التي يركعها صقيع البرد و تستعيد ثباتها على قدميها في أشعة الشمس" نجد فلسفة داكنة في وصف الطبيعة البشرية و تجهما قاتما في وصف أطلال الجحيم ..
...

الأنشودة الأولى ..
وسط طريق حياتنا , أفقت لأجد نفسي في غابة مظلمة
و قد ضللت سواء السبيل ..
لا أجدني قادرا على وصف هذه الغابة الموحشة , القاسية .
التي جسدت في ذكراي الخوف ..
بهذه الكلمات بدأ دانتي رحلته في الغابة السوداء , التي ترمز للضياع و المعصية , يعتمد "دانتي" في أسلوبه الروائي الشعري على ترميز قد لا يمكن الإحاطة بمجمله دون قراءة لما وراء هذه الأسطر الموردة ..
فبقوله "وسط طريق حياتنا" يقصد السن الخامسة و الثلاثين , وهي نصف الحياة المتوقعة في الإنجيل لكل بشري ..
و الظلام المطلق بعد الإفاقة إشارة إنجيلية أخرى عن المعصية و ضياع صواب الطريق ..
بعدها سقطت عينا دانتي على التل الذي يحفه نور الشمس "كناية عن الهداية" , و أراد الذهاب إليه ليقف في طريقه الوحوش الثلاث "الأسد , الفهد , و الذئبة " و الذين يرمزون للذنوب الأرسطية " العنف , الحقد , التساهل" ..
في خضم اليأس قابل دانتي الشاعر الروماني فيرجيلو الذي قال له أنه لا يستطيع إكمال دربه هذا لأنه لا توجد قوة كافية للتخلص من هذه الوحوش " لمحة رمزية أنه لا يستحق بلوغ طريق الهداية لانغماسه بالمعصية و عدم بلوغه الخلاص بعد" و أشار عليه أنه سيأخذه في رحلة عبر الجحيم و المطهر ...حتى يتعرف على طبيعة الضلال و الخطيئة , و سيتركه في رعاية من هو أفضل منه ليقوده عبر الفردوس ...
و هكذا ابتدأت رحلة دانتي عبر عوالم الآخرة الثلاثة ..
..
جحيم دانتي ..
هنا سأتحدث ببعض العمومية و الاختصار عن جحيم دانتي , سأعلق بعدها على بعض الأنشودات و القصص التي أثارت انتباهي في هذا الجحيم .
الجحيم هو الجزء الأول من الرحلة الثالثوثية للبحث عن الخلاص , الرحلة من غياهب الظلام إلى الله , و جزئية الجحيم تبحث في الخطئية و تعريتها و من ثم رفضها .
قاد فيرجيلو دانتي عبر هذا الجحيم , الذي رحب به بالعبارة الشهيرة " اهجر كل الأمل يامن تدخل" "abandon all hope ye who enter" , و قبل دخول الجحيم تماما يمر دانتي على أعتابه و يرى أناسا معذبين تلسع الدبابير أوجههم و تختلط دمائهم بدموعهم , هؤلاء هم من خذلتهم إرادتهم في الدنيا لسلوك طريق الخير أو الشر , ولم يعملوا سوى لمصلحتهم الذاتية فلفظتهم السماء لقبحهم و لفظهم الجحيم احتقارا لجبنهم ! .كما يشاركهم مصيرهم هذا الملائكة اللاتي التزمن الحياد في ثورة الملائكة , لسع الدبابير و الأشباح يرمز إلى لسعات الضمير التي يعاني منها من التزم الحياد و لم يضع في حسبانه سوى مصلحته الشخصية .
قابل دانتي و فيرجيلو حارس بوابة الجحيم و ربان نهر اكرونتي كارون , الذي رفض اصطحاب دانتي في البداية لبوابة الجحيم لأنه حي , لكن فيرجيلو أشار له أن هذه هي إرادة السماء ..
يشار إلى أن كارون هو ربان نهر "ستيكس" في الأساطير الإغريقية , و الذي يقود إلى مملكة الظلام "هيدز" , التراث اليوناني و التراث المسيحي و الإسلامي هي منابع الاستلهام الرئيسية التي أثرت في كوميديا دانتي .
يتكون الجحيم من تسع طبقات دائرية حيث ترمز إلى التسارع في الإثم و الانغماس في وحل الخطيئة, تنتهي في مركز الأرض حيث يقبع إبليس مقيدا بالسلاسل , رمزا للعدالة الشعرية التي تطغى على كوميديا دانتي , فقد نعم إبليس بالحرية المطلقة في الدنيا و مصيرة هي الأغلال الأبدية في الجحيم
.
طبقة الجحيم الأولى "لمبو" ..
رعد ثقيل بدد النوم العميق في رأسي و أعاد لي حواسي ..
و حينما استويت قائما حركت عيني بإمعان لكي أعرف المكان ..
وجدت نفسي على حافة وادي الهاوية الأليم ..
مظلما عميقا لا تتبين به العين شيئا ..
بهذه الكلمات ابتدأ دانتي وصفه للطبقة الأولى من الجحيم "لمبو" , و التي تشبه إلى حد ما أهل الأعراف في الإسلام , حيث يقبع بها من عاش قبل أن ينزل ابن الله و يسبغ هدايته على البشر , كما يقطنها من عاصر الهدي المسيحي و لم يعمد أو يسمع به ..
قبل أن نوغل بالمسير الآن أريدك أن تعرف عن هذه الأرواح التي ستقابلها
إنهم لم يذنبوا , كانت لم فضائل لكنها لا تكفي لأنهم لم ينالوا التعميد .
لم يعبدوا الله كما ينبغي و أنا نفسي أحد هؤلاء ..
بمثل هذه العيوب أصبحنا من الهالكين و عذابنا أن نعيش في شوق لا يحدوه أمل ..
اللمبو يشبه في تكوينه مرجان مملكة الظلام هيدز التي ترسل لها الأرواح المحايدة في الأساطي الإغريقية , و هي _أي اللمبو_ بلا عقاب سوى الابتعاد عن الله , و الحياة بلا أمل أو لذة .
يقطن هنا عظام ما قبل المسيحية , كما يقطن عظام ما بعدها ممن لم يشملهم التعميد , و نذكر من بينهم دليل الشاعر نفسه فيرجيلو مبدع الملحمة الشعرية الإنيادة , كما نجد هوميروس أمير الشعراء مبدع ملحمتي الإلياذة و الأوديسا , نجد أرسطو و سقراط , نجد من المسلمين صلاح الدين , ابن سيناء و ابن رشد ..
جدير بالذكر أن الأنبياء و الصالحين ما قبل المسيحية مكانهم هو في اللمبو أيضا لأن التعميد المسيحي لم ينلهم , لكن شفاعة المسيح رفعت مرتبتهم و ضمتهم إلى روح الله ..
رعد ثقيل بدد النوم العميق في رأسي و أعاد لي حواسي ..
و حينما استويت قائما حركت عيني بإمعان لكي أعرف المكان ..
وجدت نفسي على حافة وادي الهاوية الأليم ..
مظلما عميقا لا تتبين به العين شيئا ..
بهذه الكلمات ابتدأ دانتي وصفه للطبقة الأولى من الجحيم "لمبو" , و التي تشبه إلى حد ما أهل الأعراف في الإسلام , حيث يقبع بها من عاش قبل أن ينزل ابن الله و يسبغ هدايته على البشر , كما يقطنها من عاصر الهدي المسيحي و لم يعمد أو يسمع به ..
قبل أن نوغل بالمسير الآن أريدك أن تعرف عن هذه الأرواح التي ستقابلها
إنهم لم يذنبوا , كانت لم فضائل لكنها لا تكفي لأنهم لم ينالوا التعميد .
لم يعبدوا الله كما ينبغي و أنا نفسي أحد هؤلاء ..
بمثل هذه العيوب أصبحنا من الهالكين و عذابنا أن نعيش في شوق لا يحدوه أمل ..
اللمبو يشبه في تكوينه مرجان مملكة الظلام هيدز التي ترسل لها الأرواح المحايدة في الأساطي الإغريقية , و هي _أي اللمبو_ بلا عقاب سوى الابتعاد عن الله , و الحياة بلا أمل أو لذة .
يقطن هنا عظام ما قبل المسيحية , كما يقطن عظام ما بعدها ممن لم يشملهم التعميد , و نذكر من بينهم دليل الشاعر نفسه فيرجيلو مبدع الملحمة الشعرية الإنيادة , كما نجد هوميروس أمير الشعراء مبدع ملحمتي الإلياذة و الأوديسا , نجد أرسطو و سقراط , نجد من المسلمين صلاح الدين , ابن سيناء و ابن رشد ..
جدير بالذكر أن الأنبياء و الصالحين ما قبل المسيحية مكانهم هو في اللمبو أيضا لأن التعميد المسيحي لم ينلهم , لكن شفاعة المسيح رفعت مرتبتهم و ضمتهم إلى روح الله ..
الخطيئة و مبعوث القضاء مينوس
اعتمدت الملحمة الإلهية تقسيما أرسطيا للذنوب حيث تحتل خطايا الضعف و عدم السيطرة" الشهوة , الجشع , النهم" الرتبة الأخف وطئا تليها خطايا العنف و الاعتداء و من ثم الخيانة , الغدر و النفاق كأشنع الخطايا البشرية , و سنرى هذا التقسيم جليا في أناشيد طبقات الجحيم التالية ..
هبطت من الحلقة الأولى إلى الثانية ..
تحيط بمكان أصغر ,آلام أعظم تلهب حتى العويل .
هناك يستقر مينوس ,مصرا بأسنانه , وازنا للآثام بلفات من ذيله يحكم و يقذف .
هنا يبدأ الجحيم الحقيقي , هنا يبدأ حساب المذنبين و إصلائهم سعير الألم و جزاء المعصية , بالمرور على قاضي الجحيم , عنده يعترف الهالك بذنوبه ليزنها مينوس و يلف ذنبه عددا من المرات مطابق لمكانته من الجحيم ..حيث كلما زاد الرقم هبطت الطبقة و تضاعف العذاب ..
مينوس هو ملك ميثولوجي حكم كريت , كان مشهورا بعدله الأسطوري الذي لا يساوم فيه حتى بحياة أبنائه , رسمه هوميروس قاضيا لجحيم هيدز كما أبدعه دانتي قاضيا لجحيمه ..
هبطت من الحلقة الأولى إلى الثانية ..
تحيط بمكان أصغر ,آلام أعظم تلهب حتى العويل .
هناك يستقر مينوس ,مصرا بأسنانه , وازنا للآثام بلفات من ذيله يحكم و يقذف .
هنا يبدأ الجحيم الحقيقي , هنا يبدأ حساب المذنبين و إصلائهم سعير الألم و جزاء المعصية , بالمرور على قاضي الجحيم , عنده يعترف الهالك بذنوبه ليزنها مينوس و يلف ذنبه عددا من المرات مطابق لمكانته من الجحيم ..حيث كلما زاد الرقم هبطت الطبقة و تضاعف العذاب ..
مينوس هو ملك ميثولوجي حكم كريت , كان مشهورا بعدله الأسطوري الذي لا يساوم فيه حتى بحياة أبنائه , رسمه هوميروس قاضيا لجحيم هيدز كما أبدعه دانتي قاضيا لجحيمه ..
..
حلقة الجحيم الثانية و خطيئة الحب !
هنا يلقى بالهاوية من تحكمت به عاطفته , و سلب قلبه ضميره و تمكنت شهوته من "العصف" بعقله و التلاعب به . كما تتلاعب إرادة الأقدار بالفاني و كما تحرك أنامل الرحمن قلوب العباد , و يكون عقابهم رياح عاتية تقلع بأجسادهم و أرواحهم دون أمل بالراحة أو الاستقرار , و هي صورة قريبة مما ورد في القرآن " و العاصفات عصفا" , توظيف رمزي جميل للعدالة الشعرية ..
الإمبراطورة التي استسلمت لشهوة الجسد سميراميس ..
الحانثة وعدها لرماد سيكيو التي أخذت حياتها متيمة بالحب ..
كليوباترا أسيرة الشهوات ..
هيلينا التي دار بسببها عهد مشؤوم , و أخيل العظيم ..
باريس و تريستانو ..
سميراميس ..إمبراطورة آشورية شرعنت قوانين اللذة المحرمة و أباحتها ...
ديدوني ....التي أقسمت أمام رماد زوجها ألا تحب مرة أخرى , و عندما وقعت في حب رجل آخر سلمت قدرها لليأس و انتحرت ..
هيلينا .... زوجة مينولاوس الأخ الشقيق للبطل الإغريقي أغاميمنون و التي سبب استسلامها لعاطفتها مأساة حرب طروادة ..
كليوباترا اللعوبة التي ما فتأت تستخدم جسدها كأداة سياسية , تارة مع يوليوس قيصر و تارة مع مارك أنتونيوس ..
تعس دانتي , انقبض قلبه و اسودت روحه , و هو يرى كيف أضحت عاطفة رقراقة محركا لزمهرير رياح الجحيم , تعس وهو يبصر الرياح تمزق جلود العاشقين , حتى وقع أمام ناظرته عاشقين ترأف العاصفة بهما "باولو و فرانشيسكا" ..
وقف أمام الرياح , و استعطفها باسم الحب أن تنزل بهم ليعرف قصتهم , كحمامة أخف من الهواء و أجمل من زينة السماء هبطت الرياح بالعاشقين , اللذان يقتربان الهوينا من دانتي , ليخبرانه بقصتهما الآثمة ..
قبلة آثمة هي خطيئتهم ...!
خدعت فرانشيسكا المتيمة ببالولو . و تم غشها من قبل أمه و تم تزويجها لأخيه المشوه , استمر زواجها منه بالرغم عنها , و تعاهد المتيمان على الافتراق و الوفاء لأزواجهم , ذات ليلة بينما هم مستغرقون بالقراءة , اتصلت عيناهم , انتصرت عاطفتهم , التقت شفاهم .......دخل الزوج عليهم ساعتها و أطاح برؤوسهم ....!
اعتمر الأسى روح دانتي و قلبه ...الظلام الحالك اعتصره ..حتى أظلمت الدنيا تماما و سقط مغشيا عليه .
.
حلقة الجحيم الثالثة و المطر الأزلي ..
أنا في الحلقة الثالثة حلقة المطر الأبدي اللعين البارد الثقيل الرتيب لا يتغير ولا يتجدد .
برد قاس مياه سوداء تبعث كريه الروائح في الأرض
سيربيرس الوحش الكاسر ذو الرؤوس الثلاثة يعوي ككلب على رؤوس القوم الذي غمروا
بعين حمراء و لحية كثة و بطن كبير يمزق الأرواح و يشطرها بمخالبه .
هنا يفيق دانتي لتقابله حلقة الجحيم الثالثة و التي يلقى فيها من يرتكب الخطيئة المميتة "النهم" , و عقابهم من شقين الأمطار الأزلية التي تتجمع و تشكل قذارة لزجة سوداء في الأرض دلالة رمزية على بشاعة النهم , و الوحش الأسطوري سيربيريس النهم يأكل منهم و يمزقهم ثم تعاد جلودهم و أرواحهم مجددا وهي صورة مشابهة لتبديل الجلود المسلوخة الموجودة في القرآن ..
يذكر أن سيربيريس هو حارس الجحيم هيدز في الأساطير الإغريقية كما أورده فيرجلو , و قد هزمه هرقل و تحايلت عليه أثينا ..
برد قاس مياه سوداء تبعث كريه الروائح في الأرض
سيربيرس الوحش الكاسر ذو الرؤوس الثلاثة يعوي ككلب على رؤوس القوم الذي غمروا
بعين حمراء و لحية كثة و بطن كبير يمزق الأرواح و يشطرها بمخالبه .
هنا يفيق دانتي لتقابله حلقة الجحيم الثالثة و التي يلقى فيها من يرتكب الخطيئة المميتة "النهم" , و عقابهم من شقين الأمطار الأزلية التي تتجمع و تشكل قذارة لزجة سوداء في الأرض دلالة رمزية على بشاعة النهم , و الوحش الأسطوري سيربيريس النهم يأكل منهم و يمزقهم ثم تعاد جلودهم و أرواحهم مجددا وهي صورة مشابهة لتبديل الجلود المسلوخة الموجودة في القرآن ..
يذكر أن سيربيريس هو حارس الجحيم هيدز في الأساطير الإغريقية كما أورده فيرجلو , و قد هزمه هرقل و تحايلت عليه أثينا ..
حلقة الجحيم الرابعة ..
هنا يرسل مينوس قاضي الجحيم من خالف مقصد الرب في توزيع رزقه فمارس البخل الشديد أو وقع في براثن الخطيئة المميتة "الجشع" , استقبلهم بلوتوس إله الثروة الروماني على شكل ذئب و خاطبهم باللغة العربية " باب الشيطان , تابعا النزول " , نهره فيرجيلو بقوله أن هذه هي إرادة من يقطن حيث هزم ميكائيل لوسيفر أمير الظلام و طرده خارج الجنة ..
لم يستطع دانتي تبين أحد من الموجودين كدلالة رمزية على التشوه الخلقي الذي يحدثه البخل و الجشع المادي , فقد كانت وجوههم مسودة كاحلة , و كان عقابهم بممارسة القتال أبديا بين جماعة الجشعين و جماعة البخلاء و حمل ينوء بصدرهم و يمزقهم , كدلالة على الصراع المادي بين الجشع و البخيل في الدنيا على مصادر الثروة ..
لم يستطع دانتي تبين أحد من الموجودين كدلالة رمزية على التشوه الخلقي الذي يحدثه البخل و الجشع المادي , فقد كانت وجوههم مسودة كاحلة , و كان عقابهم بممارسة القتال أبديا بين جماعة الجشعين و جماعة البخلاء و حمل ينوء بصدرهم و يمزقهم , كدلالة على الصراع المادي بين الجشع و البخيل في الدنيا على مصادر الثروة ..

نهر الجحيم "ستيكس"
هنا يتعذب الآثمون بالغضب و الكسل , نهر الجحيم يحرقهم و يفرغ الغاضبون نيران سعير عاطفتهم بنهشهم لبعض , و يختنق المصاب بالكسل و يغرق في مياه تحرق للأبد ..
يجدف الغاضب فيليجياس , يتشبث العصاة و الآثمون بالقارب و لا يقدرون فيعودون لنهش بعضهم بعضا ,هنا في هذا النهر يحدث التغير الأول في شخصية دانتي , حيث كان الأسى يعتمره و هو يرى صنوف العذاب رماحا مسنة تمزق حلوق و صدور الآثمين , المثير أن هذا التغير حدث مع عدوه اللدود فيليبو خصمه السياسي الذي استولت عائلته على أملاك عائلة دانتي , صفع فيليبو أرجنتي دانتي فخلده للأبد في ملحمته الشعرية " جميل هو هذا الانتقام : ) .
قام فيرجيلو دليل دانتي بضرب فيليبو و إعادته إلى نهر الجحيم , و أبدى إعجابه لأن دانتي لم تأخذه الرحمة بهذا الآثم الغاضب , و هذه نقطة تحول مهمة في فهم الخطيئة و التكبر الروحي عن الآثمين العصاة .
انطلقنا عبر الماءء، مغادرين الشاطئ،
ذاكَ القاربُ العتيقُ يبحرُ بتثاقلٍ
لم يسبق له أن أبحر بمثله من قبل
و بينما نحنُ نعبر ذاكَ الوحل الميت،
ارتفعَ الطينُ أمامي، و من وسطهِ انبعثَ صوتٌ:
من أنت يا من أتيتَ ها هنا قبل وقتك؟
أجبت: إن كنت أتيت، ها هنا، فأنا لا أبقى.
و لكن أنتَ، من أنتَ، يا أيها الساقط القذر ؟"
أجابَ: أنا شخصٌ أبكي." فقلت:
"عسى أن تبكيَ و تنوحَ إلى أبدِ الآبدين،
إذ أني أعرفكَ، يا كلبَ جهنم، حتى بقذارتك هذه."
عندَها مدّ ذراعيه نحوَ القاربِ، و لكنَ
أستاذي قذفهُ بعنفٍ وسطَ النهرِ صارخاً: "إلى الأسفل،
إلى الأسفل، مع باقي الكلاب. ثمَ عانقني قائلاً:
"أيتها الروحُ المتسامية، أقبلكَ جزاءَ صنيعِك،
لهجة الحقد المتصاعدة في الأبيات الشعرية تبين حقيقة شعور دانتي تجاه خصمه اللدود ..
أحب أن أنوه هنا أن نهر "ستيكس" مستقى من الميثولوجيا الإغريقية و هو النهر الذي يصل مملكة الأحياء بالعالم السفلي هيدز , و بحاره هو كارون لكن دانتي اختار الناقم فليجياس عوضا عنه .
بهذا النهر ينتهي "الجحيم الأصغر" و الذي حسب التعريف الأرسطي للخطيئة هم من المرتكبين لصغائر الذنوب و يبدأ "الجحيم الأكبر" من مدينة ديس التي يحرسها الملائكة المطرودون من رحمة الرب .
.
خندق السحرة ..
الخندق الخامس
هنا يعذب المرتشون في بحر مغلي من التار , حيث يقوم ملاك العذاب بحملهم و قذفهم في هذه البحيرة , و يقوم مجموعة من الشياطين بالهجوم على الآثمين بخطاطيفهم حتى لا يخرجون من بركة القطران الملتهبة , و شبه دانتي هذا بما يفعله الطهاة في حساء اللحم .
في هذا الخندق يقابل دانتي و فيرجل الغدار مالاكودا قائد شياطين الخندق , و قد مر الشعراء بتجربة مخيفة هنا حيث أخذوا بالهرب من شياطين الجحيم الغدرة , و حمل فيرجل دانتي بين يديه كالطفل حتى تمكنوا من الهروب ...
الخندق السادس
هنا في الأسفل وجدنا قوما بمعاطف معدنية ثقيلة
يسيرون بخطى بطيئة يبكون وعلى سيماهم الإعياء
عباءاتهم ذلت قلانس متدلية أمام الأعين
تشبه ما يلبسه رهبان كولوني
مذهبة من الخارج حتى لتخطف الأبصار
باطنها من رصاص شديد الثقل
حتى بدت قلانس فريدريك من القش بجانبها
هنا يعذب المنافقون برمزية واضحة , بارتداء معاطف باهرة الجمال من الخارج , و قبيحة مبطنة بالرصاص المعيق المؤلم , كدلالة على التباين بين ما يظهرونه للآخر و ما يبطنونه ..
كما تقع عين دانتي هنا على كاهن مصلوب على الأرض , و يقوم بقية المنافقون بالسير فوقه و معاطفهم الثقيلة أبديا , بينما تنغرس الأوتاد في يديه و رجليه و يصرخ متألما للأبد , أخبره فيرجل أن هذا هو كبير الكهنة قيافا الذي أمر بصلب المسيح إرضاء للشعب كما ورد في الكتاب المقدس ..
في خندق الجحيم الثامن يعاقب مستشارو الضلالة , حيث يحاطون بنيران يتعذر معها رؤيتهم , عدالة شعرية دانتية أخرى حيث أن جريرتهم هي التعليمات التي ألقت بأتباعهم و أقرانهم للهلاك فيعاقبون بأن يصبحوا مخفيين بنار حارقة عن الآخرين أبديا ..
خيار دانتي هنا غريب أوليسيس أو أوديسيوس البطل الإغريقي الذي أشار ببناء حصان طروادة , النبيل الذي مر بمخاض عسير في رحلة عودته لزوجته و أطفاله في ملحمة الأوديسا , ماهي خطيئته ؟
يحكي لنا أوليسيس قصة من مخيلة دانتي , يقول فيها أن حبه لابنه و زوجته بينالوبي لم يمنعاه أو يقللا من ظمأ توقه للاستكشاف , للمعرفة , للخوض في أدغال المجهول فركب و رجاله البحر في رحلة عسيرة , حتى يستكشفون ما يقع في الجانب الآخر من العالم _ وقتها كان الاعتقاد السائد أن الشياطين و النيران هي ما يوجد خلف المحيط الأطلسي في مكان أمريكا اليوم _ شجع زملائه و أقرانه على السير للبحث عن المعرفة , حتى لقوا حتفهم على يد ريال عاتية بالقرب من جبل المطهر ..
من خلال شخصية أوليسيس يبلغ دانتي ذروة الرمزية الملغزة , حيث أن المقصود بإدراج إثم غامض كهذا هو غرس تحد أمام الباحث عن الله متمثلة في عدالته , يجب على الشاعر الباحث عن الخلاص أن يخوض عراكا ضد نفسه التي رمز لها ببطل معركة طروادة أوليسيس , وهنا عبر نقاط موجزة سأستعرض وجه التشابه بين دانتي و أوليسيس ..
_ خطيئة أوليسيس الشجاع المقدام الذي لا يأبه بالخطر مقابل أن يطفئ شغفه بالمعرفة , هي التوق للترحال البحث للمعرفة , المعرفة الكلية في تحد للخط الفاصل بين بعد الإنسان و بعد الله ..وهي ذات الخطيئة التي اعتمرت دانتي في رحلته عبر أطلال الجحيم , المعرفة التي تريد أن تعرف طبيعة الرب و دوافعه ..في إشارة خفية للمؤلف ذاته و صراعه النفسي بين المعرفة و بين الله ..
_ أوليسيس أنهى رحلته بجبل المطهر الذي حاول بلوغه فلم يقدر فغرق و أغرق أقرانه معه , دانتي ابتدأ رحلته عندما ضل سواء السبيل أمام هذا الجبل , حاول بلوغه فلم يقدر بسبب الوحوش الثلاثة في الأنشودة الأولى ..
_ أشار دانتي إلى نفسه متمثلا في أوليسيس عبر الحديث عن الشبق الغير عادي للمعرفة , و التي كان دانتي قد أغرق نفسه في بحورها و بحور الفلسفة في شبابه بعد موت بياتريشي ..
_أوليسيس كان مستشارا و قد فشل و قاد أقرانه للهلاك , و دانتي من خلال هذه الرحلة يريد أن يتجنب مصير أوليسيس بأن يقدم الشور للخلاص من خلال ملحمته الإلهية ..
أشار بعض النقاد إلى احتمالية كون دانتي يلمز العدالة الإلهية بهذه الأنشودة حيث أنه يحاسب البشر على حب المعرفة و التوق للاستكشاف , حقيقة لو وضعنا بالاعتبار احتمالية كون دانتي ملحدا يريد أن يلمز بالعدالة بأسلوب ضبابي معوج لاختلفت قراءة الرواية و ترميزاتها بالكامل ..من يدري ؟
خندق المنشقين

نهر الجحيم المتجمد "كوسيتس" ..
الطبقة الأخيرة من الجحيم و التي يمثل بها من هو خائن لأهله , وطنه , و صحبته ..
الطبقة محاطة بالمردة الإغريقية Titans , كرمز لثورة العمالقة ضد الآلهة الإغريقية قبل أن يتم سجنهم في تارتاروس أسفل مملكة الظلام هيدز .
هنا تتبدل طبيعة الجحيم من لظى سعير حارق , إلى جحيم يجمد حتى الدموع و الأنفاس و الدماء في العروق ..
هنا يجد دانتي الآثمين وهم مغمورون بالجليد حتى رقابهم و كلما زادت درجة الخيانة غمر الآثم بالجليد حتى يحرم من أنفاسه ..
اختلاف طبيعة الجحيم يعكس شناعة هذا الإثم كما يرمز للطبيعة القذرة للمخلوقات التي ارتكبت خطيئة الخيانة ضد أهلهم و ربهم بدم بارد ..
لو كانت لي قواف لاذعة خشنة
تناسب الهوة البائسة التي ارتكزت فوقها سائر الصخور
لوفيت التعبير عن عصارة فكري
لكن ما دمت لا أملكها فلن أحمل نفسي على القول دون رهبة
فوصف هذا المكان مركز الأرض و الجحيم ليست بالمهمة العابثة
فلتساعد شعري ربات الفن حتى لا يجافي الحقيقة كثيرا
يا من تجاوزتم أسوأ حثالة خلقت
يا من هم في موضع يصعب حتى الحديث عنه
كان خيرا لكم لو خلقتم ماعزا أو نعاجا
يمر دانتي بطبقة قابيل في نهر الجحيم المتجمد , قابيل الذي قتل أخاه من أجل امرأة فخلده إثمه هذا مع أسفل السافلين , يقابل إسكندر و نابليون الأخوين الإيطاليين اللذان غدرا ببعضهما ..
استمر دانتي بجر خطاه المثقلة وسط الآثمين حتى وقع ناظره على رجل مجمد ينهش في رأس رجل آخر مغمور بالجليد , وقف دانتي مطالبا الرجل بالتعريف بنفسه و قصته و سبب نهشه لغريمه ..
الكانتو الثالث و الثلاثين يحكي أحد أشهر فصول جحيم دانتي و هي قصة الكاونت أوجولينو و الأسقف الأكبر روجيري الذي خانه و رمى به مع أطفاله بالسجن , حتى شهدهم الكاونت يقضون من الجوع واحدا تلو الآخر , فنهش من جثثهم و أكلهم , فقضت عدالة السماء أن ينهش غريمه الذي خانه و رمى به في السجن ..

تخيل منظر الأب مع أطفاله في السجن وهم يقضون نحبهم الواحد تلو الآخر من الجوع يفطر القلب , كما أن تخيل أن الأب مزقه الجوع لدرجة أنه شرع في نهش أطفاله لا يوصف !!
عدالة شعرية قاصمة هي التي جعلت المسؤول عن هذه الكارثة ينهش رأسه أبديا من قبل الأب نفسه ..

أمير الجحيم "لوسيفر"
مركز الأرض , و الطبقة الأخيرة من الجحيم حيث يقبع أشنه الآثمين وهم الخونة ضد من أحسن إليهم خالقهم و أرباب نعمتهم , هنا اغتشى الخوف دانتي و تمكن منه كليا , فلم يقترب من الآثمين الذين سجنوا تماما بالجليد و شوهت خلقتهم إلى أبد الآبدين ..
ارتعدت فرائص دانتي فلم يعد بالحي أو الميت عندما اقترب من نهاية الجحيم و رأى الآثم الأكبر , ملاك النور الذي أبدع الله صنعه و أعطاه من ملكوته و جبروته , فتكبر عليه و ثار تائقا للمزيد من القوة و السلطة , فدحره ميكائيل قائد ملائكة الرب و طرده من الجنة , و مسخه الله .
عدالة شعرية نراها فيمن أراد صوتا أعلى من الله و قوة تفوق قوته , فيراه دانتي مخلوقا بشعا ذو رؤوس ثلاثة متعددة الأجنحة , مسجونا في جحيم ثلجي حتى صدره , و الشيء الوحيد الذي يقدر عليه هو أن يعاقب نفسه بنفسه عندما تتحرك أجنحته فتزداد عنفوان عاصفة الصقيع التي تمزقه و تسجنه ..و يمضغ في كل فم من رؤوسه الخونة يهوذا الحواري بروتوس و كاسيوس خونة جوليوس سيزر ...الذي قدر عليهم أن يمكثوا في فم لوسيفر الذي يحاول مضغهم و طحنهم إلى أبد الآبدين فلاهو بالقادر على هذا لضعفه و حقارته ..
تصوير رمزي للثالوث المشوه فكما أن الله كلي القدرة , الجمال , المعرفة و القوة نرى لوسيفر كلي الضعف القبح و العجز ..
ينزل دانتي و فيرجل باستخدام عنق لوسيفر و شعره , حتى شعر انتي أنه يصعد عوضا عن الهبوط , فأخبره فيرجل أن هذا الطريق يؤدي إلى الأرض من الجهة الأخرى ..بدت نجوم السماء مؤذنة بانتهاء هذا الفصل العسير من الرحلة نحو الله ...و ابتداء رحلة المطهر ..
يجدف الغاضب فيليجياس , يتشبث العصاة و الآثمون بالقارب و لا يقدرون فيعودون لنهش بعضهم بعضا ,هنا في هذا النهر يحدث التغير الأول في شخصية دانتي , حيث كان الأسى يعتمره و هو يرى صنوف العذاب رماحا مسنة تمزق حلوق و صدور الآثمين , المثير أن هذا التغير حدث مع عدوه اللدود فيليبو خصمه السياسي الذي استولت عائلته على أملاك عائلة دانتي , صفع فيليبو أرجنتي دانتي فخلده للأبد في ملحمته الشعرية " جميل هو هذا الانتقام : ) .
قام فيرجيلو دليل دانتي بضرب فيليبو و إعادته إلى نهر الجحيم , و أبدى إعجابه لأن دانتي لم تأخذه الرحمة بهذا الآثم الغاضب , و هذه نقطة تحول مهمة في فهم الخطيئة و التكبر الروحي عن الآثمين العصاة .
انطلقنا عبر الماءء، مغادرين الشاطئ،
ذاكَ القاربُ العتيقُ يبحرُ بتثاقلٍ
لم يسبق له أن أبحر بمثله من قبل
و بينما نحنُ نعبر ذاكَ الوحل الميت،
ارتفعَ الطينُ أمامي، و من وسطهِ انبعثَ صوتٌ:
من أنت يا من أتيتَ ها هنا قبل وقتك؟
أجبت: إن كنت أتيت، ها هنا، فأنا لا أبقى.
و لكن أنتَ، من أنتَ، يا أيها الساقط القذر ؟"
أجابَ: أنا شخصٌ أبكي." فقلت:
"عسى أن تبكيَ و تنوحَ إلى أبدِ الآبدين،
إذ أني أعرفكَ، يا كلبَ جهنم، حتى بقذارتك هذه."
عندَها مدّ ذراعيه نحوَ القاربِ، و لكنَ
أستاذي قذفهُ بعنفٍ وسطَ النهرِ صارخاً: "إلى الأسفل،
إلى الأسفل، مع باقي الكلاب. ثمَ عانقني قائلاً:
"أيتها الروحُ المتسامية، أقبلكَ جزاءَ صنيعِك،
لهجة الحقد المتصاعدة في الأبيات الشعرية تبين حقيقة شعور دانتي تجاه خصمه اللدود ..
أحب أن أنوه هنا أن نهر "ستيكس" مستقى من الميثولوجيا الإغريقية و هو النهر الذي يصل مملكة الأحياء بالعالم السفلي هيدز , و بحاره هو كارون لكن دانتي اختار الناقم فليجياس عوضا عنه .
بهذا النهر ينتهي "الجحيم الأصغر" و الذي حسب التعريف الأرسطي للخطيئة هم من المرتكبين لصغائر الذنوب و يبدأ "الجحيم الأكبر" من مدينة ديس التي يحرسها الملائكة المطرودون من رحمة الرب .
.
مدينة الأموات ديس
بداية الجحيم الأكبر حيث يبدأ عقاب المجرمين , القتلة , المهرطقين و السحرة , اقترب دانتي و فيرجيلو من المدينة على قارب الغاضب فيليجياس ووصل إلى أسوار مدينة الأموات , حيث قوبل بألف ملاك مطرود من رحمة الله , اعترضوا طريق الشعراء و أمروهم بالعودة .
لم يتمكن فيرجيلو من إقناعهم و انتاب دانتي الذعر و أحس أنه سيبقى معلقا في نهر الجحيم , و ما زاد الطين بلة هو ظهور ميدوسا الفتاة الإغريقية التي أحال بوسايدون إله المحيطات شعرها إلى عدد لانهائي من الأفاعي , و نظرتها تحجر الدماء في قلوب البشر فتحيلهم تماثيل صخرية ساعتها .
بإرادة مبعوث السماء دخل الشاعران المدينة المحترقة بنيران الجحيم , المكونة من سهول و عدد لا تدركه الأبصار من القبور و المساجد التي تحوي المتهرطقين و الملحدين ..
أبيقور و أتباعه كانوا ممن من عليهم قاضي الجحيم بالاكتواء بنار النعيم في مدينة سعير الظلام ديس , الفيلسوف الذي قال بأزلية الكون و زوال الروح مع الجسد و نفي الرب , المتهرطق الذي ضل سواء السبيل و أضل معه خلقا كثيرا ..
لم يتمكن فيرجيلو من إقناعهم و انتاب دانتي الذعر و أحس أنه سيبقى معلقا في نهر الجحيم , و ما زاد الطين بلة هو ظهور ميدوسا الفتاة الإغريقية التي أحال بوسايدون إله المحيطات شعرها إلى عدد لانهائي من الأفاعي , و نظرتها تحجر الدماء في قلوب البشر فتحيلهم تماثيل صخرية ساعتها .
بإرادة مبعوث السماء دخل الشاعران المدينة المحترقة بنيران الجحيم , المكونة من سهول و عدد لا تدركه الأبصار من القبور و المساجد التي تحوي المتهرطقين و الملحدين ..
أبيقور و أتباعه كانوا ممن من عليهم قاضي الجحيم بالاكتواء بنار النعيم في مدينة سعير الظلام ديس , الفيلسوف الذي قال بأزلية الكون و زوال الروح مع الجسد و نفي الرب , المتهرطق الذي ضل سواء السبيل و أضل معه خلقا كثيرا ..
حلقة الجحيم السابعة و خطيئة العنف ..
هنا يتم عقاب من انغمس في خطيئة العنف و الاعتداء , و كما قال فيرجيلو دليل دانتي في الجحيم , العنف قد يكون موجها تجاه الآخرين , تجاه النفس أو تجاه الله ..و بهذه الكيفية تم تقسيم الحلقة السابعة من الجحيم ...
بالعنف قد يصب الإنسان على جاره الموت الزؤام و أليم الجراح
و ينحى على أملاكه بالسلب و النهب و الدمار
هناك يستقرون في دائرة الجحيم الأولى
بالعنف قد يوجه الإنسان ضرره نحو نفسه و ما يملك .
لذا يعض أصابع الندم إلى الأبد دون جدوى في الدائرة الثانية ..
بالعنف قد يصب الإنسان جام بطشه و غدره على الله
بإنكاره في قلبه و لعنه على لسانه و الزراية في خيره
شهد الشعراء منظر الدائرة الأولى و قد تملك دانتي شعور ممض عندما شهد نهر الدماء المحرق "phlegethon " الذي يعذب به من أثم بجريمة العنف على الآخر من نهب و قتل و غزو , و يتم إجبار الآثمين على الانغماس في نهر الدم قسرا حسب درجة الخطيئة فنرى الاسكندر الأكبر مغمورا حتى حاجبيه .و من يحاول الهرب من نهر الدم تسقطه سهام القناطس centuars , وهي مخلوقات خرافية نصفها حصان و النصف الآخر بشري ترمز للغضب و العنف ..
منظر الدائرة الثانية لا يقل رعبا و هو منتهى كل من اعتدى على هبة الإله "حياته و ممتلكاته" و أنهاها بيده , و برمزية عودنا عليها دانتي جزاء المنتحر سيكون البعث في جسد شجرة عملاقة متفرعة الأغصن تمزقها طيور الهاربي أبديا , و يكون جسده الحقيقي معلقا في أحد هذه الأغصان يتمنى أن يسترجعه ولا يقدر ..
كما تبين لدانتي أن كسر أحد هذه الفروع يقلل ألم الأشجار نوعا ما كدلالة رمزية أخرى على أنه كما أن عذاب المنتحر في الدنيا تم شفاؤه عن طريق ألم الانتحار , هنا يتم شفاء العذاب عن طريق ألم الكسر ..
في الدائرة الثالثة صحراء أبدية الإحراق يقطن بها من ارتكب العنف ضد الله " الجاحد به اللاعن له " و من ارتكب العنف ضد الناموس الطبيعي " الشواذ جنسيا" و من شوه قسرا النظام الإلهي "المرابي" ..
هنا قابل دانتي صديقه و أستاذه في الحياة برونيتو , و كان قد عرف عنه الممارسة اللوطية فلم يعفه من مصيره بالجحيم , وهو يسير في حشد أسماه الشاعر "أسرة" كناية ساخرة عن لفظ الشواذ للقيم الأسرية , و أخبره معلمه أن من يتأخر في السير لحظة عن الحشد سيجبر على تذوق سعار جحيم الصحراء لمائة عام دون لحظة من الراحة ...حزن دانتي على مصير صديقه لكنه لم يتعاطف مع الإثم كدلالة على النضج الروحي للشاعر الذي يقترب من الله و عدالته القاسية المنتقمة في كل خطوة يخطوها ..
ترك الشعراء حلقة الجحيم السابعة , الشاغرة بغابات المنتحرين و صحراء اللوطيين , و نهر الدماء الحارق و شد رحاله في رحلته إلى الله ..
انظر الوحش ذو الذنب المدبب
يجتاز الجبال يحطم الأسوار و الأسلحة
يلوث الدنيا بأسرها .
هذه الصورة الكريهة للخيانة
أتت فمدت رأسها و الصدر
وجه لرجل عادل مظهر وديع من الخارج
سائر جسمه من الزواحف
جيريوني مخلوق خرافي في الأساطير الإغريقية . كان ملكا لجزيرة في أقاصي الأرض يجتذب إليه الأرواح الجائعة ليطعمها و يلتهمها فأضحى رمزا للغدر و الخيانة كما صوره دانتي في جحيمه , و قد أبدعه جميل الوجه بذنب مدبب يفتت الجبال و يمزق الصدور .و رمز في قصيدته لكون الخيانة و الغدر تلويثا للحياة بأسرها .
على كتفي هذا الوحش , بطلب من فيرجل , ارتحل الشاعران حتى ينزلان إلى الهوة السحيقة , المؤدية لباطن الأرض و حلقة الجحيم الثامنة , التي خصصها دانتي للخونة و مرتكبي الزيف و المنافقين ..

ماليبولجي "خنادق الشر"
في الجحيم مكان يدعى "ماليبولجي"
من الصخر في لون الحديد الصدئ
في سرة هذا الميدان الخبيث
تنفغر بئر شاسعة عميقة
مستديرة هي الحافة الباقية بين البئر و الحاجز الصخري
و قاعها مقسم عشر خنادق ..
بهذه الكلمات يبدأ دانتي رحلته في أحد ألعن مناطق الجحيم, و التي وصفها صخرية كالحديد الصدئ إشارة رمزية لطبيعة المرض الذي يكتنفه صدر هؤلاء , هنا يقطن من مارس الشر لرغبته بالشر , و ليس لأنه فقد سيطرته على أحد غرائزه , هنا يمزق أبديا من اختار طريق القوادة , الخيانة , الانشقاق و التزييف , الخنادق العشر تقسم المذنبين حسب درجة التزييف التي أثموا بارتكابها , فنجد القوادين بالخندق الأول و من يصنفهم دانتي مرضا على المجتمع " الدجالون , المنشقون, الخيميائيون" في الخنادق السفلى ..
الخندق الأول ..
هنا نرى القوادين و قد ألهبت الشياطين ظهورهم بسياط نارية ممزقة , و قد تعرف دانتي على فينيديكو كاتشانيميتشي الذي باع أخته و دلها على طريق الغواية رغبة في ربح مادي ..
كما رأى البطل الإغريقي جاسون الذي أغرى فتاة بكلامه الشاعري المعسول , ثم هجرها حبلى تواجه الإثم و العار .
الخندق الثاني ..
لم يستمر دانتي طويلا في هذا الخندق بسبب طبيعة العقاب المفروضة فيه على من يستخدم لسانه و جسده لخداع البشر تحقيقا لفائدة مادة , وهو خندق يقبع به المتملقون و من امتهن الدعارة و الإغواء , العقاب الشعري الرمزي من دانتي دلالة رمزية على بشاعة و قبح باطن و روح هؤلاء و الذي يدارونه بمعسول اللسان و ما تظهره الأبدان , فحكم عليهم بالإغراق في بحيرة من الغائط و النفايات البشرية ..
الخندق الثالث ..
هنا يرى دانتي من وسم بالسيمونية , نسبة إلى سيمون الساحر الذي أراد أن يشتري مكانا له بالكنيسة عن طريق المال دون التقوى , وهذا المكان هو مصير كل من استغل الدين للحصول على فوائد دنيوية , و يتم عقابهم بوضعهم مقلوبين في حفرة صخرية لا يبين منها سوى أقدامهم كرمز للتعميد المسيحي المقدس و الذي شوهه الآثمون , و لوثوا اسم الله ..بينما تحرق نيران الجحيم أقدامهم حتى تذوب و تبدل من جديد ..
سيمون أيها الساحر, أيها الأتباع البائسون
أفسدتم بالذهب و الفضة نعم الله
التي ينبغي أن تقترن بطاهر الأعمال
أستاذي من ذاك الذي يتلوى و يهتز أكثر من رفاقه..
و قد أحرقته نيران أكثر احمرارا ؟
أجابني "إذا أردت سآخذك إلى ذاك الشاطئ المنخفض
لنعرف من الشخص آثامه و خطاياه
كائنا من كنت انت يا من جعل عاليك سافلك .
أيتها النفس البائسة التي غرست كالخازوق
أجبني و تكلم إن استطعت .
وقفت كالراهب الذي يتلقى اعتراف القاتل الغادر
الذي يناديه حينما يزرع في الأرض كي يؤخر عنه المنون .
كان هذا البابا نيكولاس الثالث , زعيم السيمونيين في هذا الخندق , هنا يتجلى بوضوح اكتمال أركان تغير شخصية دانتي في نبذ الخطيئة و فهم العقاب الإلهي , فلم تتخلل لغته الخطابية ذرة شفقة واحدة , بل كان منتقدا ناقما كأنه مبعوث من السماء لتنفيذ إرادة الرب التي لا مزحزح لها و ليس بشريا جبل على الشفقة , أستاذه فيرجل يرقب التغيير هذا عن بعد برضا وهو يرى تلميذه يقترب الهوينا من الله ..
بالعنف قد يصب الإنسان على جاره الموت الزؤام و أليم الجراح
و ينحى على أملاكه بالسلب و النهب و الدمار
هناك يستقرون في دائرة الجحيم الأولى
بالعنف قد يوجه الإنسان ضرره نحو نفسه و ما يملك .
لذا يعض أصابع الندم إلى الأبد دون جدوى في الدائرة الثانية ..
بالعنف قد يصب الإنسان جام بطشه و غدره على الله
بإنكاره في قلبه و لعنه على لسانه و الزراية في خيره
شهد الشعراء منظر الدائرة الأولى و قد تملك دانتي شعور ممض عندما شهد نهر الدماء المحرق "phlegethon " الذي يعذب به من أثم بجريمة العنف على الآخر من نهب و قتل و غزو , و يتم إجبار الآثمين على الانغماس في نهر الدم قسرا حسب درجة الخطيئة فنرى الاسكندر الأكبر مغمورا حتى حاجبيه .و من يحاول الهرب من نهر الدم تسقطه سهام القناطس centuars , وهي مخلوقات خرافية نصفها حصان و النصف الآخر بشري ترمز للغضب و العنف ..
منظر الدائرة الثانية لا يقل رعبا و هو منتهى كل من اعتدى على هبة الإله "حياته و ممتلكاته" و أنهاها بيده , و برمزية عودنا عليها دانتي جزاء المنتحر سيكون البعث في جسد شجرة عملاقة متفرعة الأغصن تمزقها طيور الهاربي أبديا , و يكون جسده الحقيقي معلقا في أحد هذه الأغصان يتمنى أن يسترجعه ولا يقدر ..
كما تبين لدانتي أن كسر أحد هذه الفروع يقلل ألم الأشجار نوعا ما كدلالة رمزية أخرى على أنه كما أن عذاب المنتحر في الدنيا تم شفاؤه عن طريق ألم الانتحار , هنا يتم شفاء العذاب عن طريق ألم الكسر ..
في الدائرة الثالثة صحراء أبدية الإحراق يقطن بها من ارتكب العنف ضد الله " الجاحد به اللاعن له " و من ارتكب العنف ضد الناموس الطبيعي " الشواذ جنسيا" و من شوه قسرا النظام الإلهي "المرابي" ..
هنا قابل دانتي صديقه و أستاذه في الحياة برونيتو , و كان قد عرف عنه الممارسة اللوطية فلم يعفه من مصيره بالجحيم , وهو يسير في حشد أسماه الشاعر "أسرة" كناية ساخرة عن لفظ الشواذ للقيم الأسرية , و أخبره معلمه أن من يتأخر في السير لحظة عن الحشد سيجبر على تذوق سعار جحيم الصحراء لمائة عام دون لحظة من الراحة ...حزن دانتي على مصير صديقه لكنه لم يتعاطف مع الإثم كدلالة على النضج الروحي للشاعر الذي يقترب من الله و عدالته القاسية المنتقمة في كل خطوة يخطوها ..
جيريون رمز الخيانة
ترك الشعراء حلقة الجحيم السابعة , الشاغرة بغابات المنتحرين و صحراء اللوطيين , و نهر الدماء الحارق و شد رحاله في رحلته إلى الله ..
انظر الوحش ذو الذنب المدبب
يجتاز الجبال يحطم الأسوار و الأسلحة
يلوث الدنيا بأسرها .
هذه الصورة الكريهة للخيانة
أتت فمدت رأسها و الصدر
وجه لرجل عادل مظهر وديع من الخارج
سائر جسمه من الزواحف
جيريوني مخلوق خرافي في الأساطير الإغريقية . كان ملكا لجزيرة في أقاصي الأرض يجتذب إليه الأرواح الجائعة ليطعمها و يلتهمها فأضحى رمزا للغدر و الخيانة كما صوره دانتي في جحيمه , و قد أبدعه جميل الوجه بذنب مدبب يفتت الجبال و يمزق الصدور .و رمز في قصيدته لكون الخيانة و الغدر تلويثا للحياة بأسرها .
على كتفي هذا الوحش , بطلب من فيرجل , ارتحل الشاعران حتى ينزلان إلى الهوة السحيقة , المؤدية لباطن الأرض و حلقة الجحيم الثامنة , التي خصصها دانتي للخونة و مرتكبي الزيف و المنافقين ..

ماليبولجي "خنادق الشر"
في الجحيم مكان يدعى "ماليبولجي"
من الصخر في لون الحديد الصدئ
في سرة هذا الميدان الخبيث
تنفغر بئر شاسعة عميقة
مستديرة هي الحافة الباقية بين البئر و الحاجز الصخري
و قاعها مقسم عشر خنادق ..
بهذه الكلمات يبدأ دانتي رحلته في أحد ألعن مناطق الجحيم, و التي وصفها صخرية كالحديد الصدئ إشارة رمزية لطبيعة المرض الذي يكتنفه صدر هؤلاء , هنا يقطن من مارس الشر لرغبته بالشر , و ليس لأنه فقد سيطرته على أحد غرائزه , هنا يمزق أبديا من اختار طريق القوادة , الخيانة , الانشقاق و التزييف , الخنادق العشر تقسم المذنبين حسب درجة التزييف التي أثموا بارتكابها , فنجد القوادين بالخندق الأول و من يصنفهم دانتي مرضا على المجتمع " الدجالون , المنشقون, الخيميائيون" في الخنادق السفلى ..
الخندق الأول ..
هنا نرى القوادين و قد ألهبت الشياطين ظهورهم بسياط نارية ممزقة , و قد تعرف دانتي على فينيديكو كاتشانيميتشي الذي باع أخته و دلها على طريق الغواية رغبة في ربح مادي ..
كما رأى البطل الإغريقي جاسون الذي أغرى فتاة بكلامه الشاعري المعسول , ثم هجرها حبلى تواجه الإثم و العار .
الخندق الثاني ..
لم يستمر دانتي طويلا في هذا الخندق بسبب طبيعة العقاب المفروضة فيه على من يستخدم لسانه و جسده لخداع البشر تحقيقا لفائدة مادة , وهو خندق يقبع به المتملقون و من امتهن الدعارة و الإغواء , العقاب الشعري الرمزي من دانتي دلالة رمزية على بشاعة و قبح باطن و روح هؤلاء و الذي يدارونه بمعسول اللسان و ما تظهره الأبدان , فحكم عليهم بالإغراق في بحيرة من الغائط و النفايات البشرية ..
الخندق الثالث ..
هنا يرى دانتي من وسم بالسيمونية , نسبة إلى سيمون الساحر الذي أراد أن يشتري مكانا له بالكنيسة عن طريق المال دون التقوى , وهذا المكان هو مصير كل من استغل الدين للحصول على فوائد دنيوية , و يتم عقابهم بوضعهم مقلوبين في حفرة صخرية لا يبين منها سوى أقدامهم كرمز للتعميد المسيحي المقدس و الذي شوهه الآثمون , و لوثوا اسم الله ..بينما تحرق نيران الجحيم أقدامهم حتى تذوب و تبدل من جديد ..
سيمون أيها الساحر, أيها الأتباع البائسون
أفسدتم بالذهب و الفضة نعم الله
التي ينبغي أن تقترن بطاهر الأعمال
أستاذي من ذاك الذي يتلوى و يهتز أكثر من رفاقه..
و قد أحرقته نيران أكثر احمرارا ؟
أجابني "إذا أردت سآخذك إلى ذاك الشاطئ المنخفض
لنعرف من الشخص آثامه و خطاياه
كائنا من كنت انت يا من جعل عاليك سافلك .
أيتها النفس البائسة التي غرست كالخازوق
أجبني و تكلم إن استطعت .
وقفت كالراهب الذي يتلقى اعتراف القاتل الغادر
الذي يناديه حينما يزرع في الأرض كي يؤخر عنه المنون .
كان هذا البابا نيكولاس الثالث , زعيم السيمونيين في هذا الخندق , هنا يتجلى بوضوح اكتمال أركان تغير شخصية دانتي في نبذ الخطيئة و فهم العقاب الإلهي , فلم تتخلل لغته الخطابية ذرة شفقة واحدة , بل كان منتقدا ناقما كأنه مبعوث من السماء لتنفيذ إرادة الرب التي لا مزحزح لها و ليس بشريا جبل على الشفقة , أستاذه فيرجل يرقب التغيير هذا عن بعد برضا وهو يرى تلميذه يقترب الهوينا من الله ..

خندق السحرة ..
شخصيا هذا الخندق و العقاب الأسطوري الوارد به هو أكثر ما علق بذهني و ذاكرتي عندما قرأت القليل عن الملحمة الإلهية أيام المراهقة , هنا قضى مينوس مبعوث العدالة أن يتم محاسبة السحرة , العرافين , أنبياء الزيف ..
تأهبت بكل مشاعري لرؤية الخندق .
الذي يسبح بدموع الأسى و الألم .
رأيت الآثمين البائسين يسيرون بصمت باكين
بنفس خطى سير الليتانيين
التقى ناظري بهم بدا لي لضرب العجب ..
أن رؤوسهم التوت من عند الذقن و أعلى الصدر ..
و أصبحت مشوهة تواجه الظهر .
يرون ما خلفهم فقد منع عليهم رؤية الأمام .
أيها القارئ تفكر باركك الله بنفسك
كيف أستطيع حفاظ وجهي جافا من الدموع
عندما رأيت صورتنا الإنسانية منقلبة مشوهة
حتى أن بكاء الواحد منهم يبلل ردفيه
حاول السحرة و العرافون بالدنيا أن يتعدون على بعد الله , و ينظروا للمستقبل و يعرفون الغيب , فقضى الإله في جحيم دانتي أن تتشوه أجسامهم و لا يستطيعون إلا أن يروا ما ورائهم , كدلالة رمزية على إلزامهم بالماضي ..
أمام هذه الصورة البشعة لبكاء السحرة المشوهين و الذي تعرف دانتي منهم أمفاريس و تيريسيس و مانتو عرافي الإغريق , ساورت دانتي مشاعر الأسى و الشفقة على صورة الإنسان فأنبه فيرجل بعنف قائلا له أن من تأخذه الشفقة أمام قضاء الله هو أضل الضالين , راض قليلا عن كون دانتي تعاطف بسبب العقاب و ليس الشخص أو الخطيئة ..
تأهبت بكل مشاعري لرؤية الخندق .
الذي يسبح بدموع الأسى و الألم .
رأيت الآثمين البائسين يسيرون بصمت باكين
بنفس خطى سير الليتانيين
التقى ناظري بهم بدا لي لضرب العجب ..
أن رؤوسهم التوت من عند الذقن و أعلى الصدر ..
و أصبحت مشوهة تواجه الظهر .
يرون ما خلفهم فقد منع عليهم رؤية الأمام .
أيها القارئ تفكر باركك الله بنفسك
كيف أستطيع حفاظ وجهي جافا من الدموع
عندما رأيت صورتنا الإنسانية منقلبة مشوهة
حتى أن بكاء الواحد منهم يبلل ردفيه
حاول السحرة و العرافون بالدنيا أن يتعدون على بعد الله , و ينظروا للمستقبل و يعرفون الغيب , فقضى الإله في جحيم دانتي أن تتشوه أجسامهم و لا يستطيعون إلا أن يروا ما ورائهم , كدلالة رمزية على إلزامهم بالماضي ..
أمام هذه الصورة البشعة لبكاء السحرة المشوهين و الذي تعرف دانتي منهم أمفاريس و تيريسيس و مانتو عرافي الإغريق , ساورت دانتي مشاعر الأسى و الشفقة على صورة الإنسان فأنبه فيرجل بعنف قائلا له أن من تأخذه الشفقة أمام قضاء الله هو أضل الضالين , راض قليلا عن كون دانتي تعاطف بسبب العقاب و ليس الشخص أو الخطيئة ..
الخندق الخامس
هنا يعذب المرتشون في بحر مغلي من التار , حيث يقوم ملاك العذاب بحملهم و قذفهم في هذه البحيرة , و يقوم مجموعة من الشياطين بالهجوم على الآثمين بخطاطيفهم حتى لا يخرجون من بركة القطران الملتهبة , و شبه دانتي هذا بما يفعله الطهاة في حساء اللحم .
في هذا الخندق يقابل دانتي و فيرجل الغدار مالاكودا قائد شياطين الخندق , و قد مر الشعراء بتجربة مخيفة هنا حيث أخذوا بالهرب من شياطين الجحيم الغدرة , و حمل فيرجل دانتي بين يديه كالطفل حتى تمكنوا من الهروب ...
الخندق السادس
هنا في الأسفل وجدنا قوما بمعاطف معدنية ثقيلة
يسيرون بخطى بطيئة يبكون وعلى سيماهم الإعياء
عباءاتهم ذلت قلانس متدلية أمام الأعين
تشبه ما يلبسه رهبان كولوني
مذهبة من الخارج حتى لتخطف الأبصار
باطنها من رصاص شديد الثقل
حتى بدت قلانس فريدريك من القش بجانبها
هنا يعذب المنافقون برمزية واضحة , بارتداء معاطف باهرة الجمال من الخارج , و قبيحة مبطنة بالرصاص المعيق المؤلم , كدلالة على التباين بين ما يظهرونه للآخر و ما يبطنونه ..
كما تقع عين دانتي هنا على كاهن مصلوب على الأرض , و يقوم بقية المنافقون بالسير فوقه و معاطفهم الثقيلة أبديا , بينما تنغرس الأوتاد في يديه و رجليه و يصرخ متألما للأبد , أخبره فيرجل أن هذا هو كبير الكهنة قيافا الذي أمر بصلب المسيح إرضاء للشعب كما ورد في الكتاب المقدس ..
أوليسيس
في خندق الجحيم الثامن يعاقب مستشارو الضلالة , حيث يحاطون بنيران يتعذر معها رؤيتهم , عدالة شعرية دانتية أخرى حيث أن جريرتهم هي التعليمات التي ألقت بأتباعهم و أقرانهم للهلاك فيعاقبون بأن يصبحوا مخفيين بنار حارقة عن الآخرين أبديا ..
خيار دانتي هنا غريب أوليسيس أو أوديسيوس البطل الإغريقي الذي أشار ببناء حصان طروادة , النبيل الذي مر بمخاض عسير في رحلة عودته لزوجته و أطفاله في ملحمة الأوديسا , ماهي خطيئته ؟
يحكي لنا أوليسيس قصة من مخيلة دانتي , يقول فيها أن حبه لابنه و زوجته بينالوبي لم يمنعاه أو يقللا من ظمأ توقه للاستكشاف , للمعرفة , للخوض في أدغال المجهول فركب و رجاله البحر في رحلة عسيرة , حتى يستكشفون ما يقع في الجانب الآخر من العالم _ وقتها كان الاعتقاد السائد أن الشياطين و النيران هي ما يوجد خلف المحيط الأطلسي في مكان أمريكا اليوم _ شجع زملائه و أقرانه على السير للبحث عن المعرفة , حتى لقوا حتفهم على يد ريال عاتية بالقرب من جبل المطهر ..
من خلال شخصية أوليسيس يبلغ دانتي ذروة الرمزية الملغزة , حيث أن المقصود بإدراج إثم غامض كهذا هو غرس تحد أمام الباحث عن الله متمثلة في عدالته , يجب على الشاعر الباحث عن الخلاص أن يخوض عراكا ضد نفسه التي رمز لها ببطل معركة طروادة أوليسيس , وهنا عبر نقاط موجزة سأستعرض وجه التشابه بين دانتي و أوليسيس ..
_ خطيئة أوليسيس الشجاع المقدام الذي لا يأبه بالخطر مقابل أن يطفئ شغفه بالمعرفة , هي التوق للترحال البحث للمعرفة , المعرفة الكلية في تحد للخط الفاصل بين بعد الإنسان و بعد الله ..وهي ذات الخطيئة التي اعتمرت دانتي في رحلته عبر أطلال الجحيم , المعرفة التي تريد أن تعرف طبيعة الرب و دوافعه ..في إشارة خفية للمؤلف ذاته و صراعه النفسي بين المعرفة و بين الله ..
_ أوليسيس أنهى رحلته بجبل المطهر الذي حاول بلوغه فلم يقدر فغرق و أغرق أقرانه معه , دانتي ابتدأ رحلته عندما ضل سواء السبيل أمام هذا الجبل , حاول بلوغه فلم يقدر بسبب الوحوش الثلاثة في الأنشودة الأولى ..
_ أشار دانتي إلى نفسه متمثلا في أوليسيس عبر الحديث عن الشبق الغير عادي للمعرفة , و التي كان دانتي قد أغرق نفسه في بحورها و بحور الفلسفة في شبابه بعد موت بياتريشي ..
_أوليسيس كان مستشارا و قد فشل و قاد أقرانه للهلاك , و دانتي من خلال هذه الرحلة يريد أن يتجنب مصير أوليسيس بأن يقدم الشور للخلاص من خلال ملحمته الإلهية ..
أشار بعض النقاد إلى احتمالية كون دانتي يلمز العدالة الإلهية بهذه الأنشودة حيث أنه يحاسب البشر على حب المعرفة و التوق للاستكشاف , حقيقة لو وضعنا بالاعتبار احتمالية كون دانتي ملحدا يريد أن يلمز بالعدالة بأسلوب ضبابي معوج لاختلفت قراءة الرواية و ترميزاتها بالكامل ..من يدري ؟
خندق المنشقين
الخندق التاسع الرهيب , الذي اختزلته و تجاوزته التراجم العربية لأن من يقبع به هم من استسلم للشيطان فمزق جماعته في الدنيا , و هنا في الآخرة يلقون نفس الحساب و نفس التمزيق على يد شياطين مسلحة بالسيوف , وعلى رأس القاطنين في هذا الخندق من جحيم دانتي هو الرسول محمد عليه السلام و علي بن أبي طالب ..
حيث يعرض دانتي الرسول كمنشق من المسيحية لهذا لم يقم بضمه لبقية الأنبياء المزيفين , كما يلقي بلائمة الانشقاق بين السنة و الشيعة على علي ..
من يستطيع أبدا ولو بمنثور الكلام
مهما كانت كلماته حرة طليقة
أن يشبع الحديث عن الدم و الجروح
التي تغزو ناظري الآن ؟
حقا إن كل لسان سيفشل
لأن عقولنا و ألفاظنا و أفئتدنا
تعوزها الكفاية عن إدراك هذا كله .
كما نجد في هذا الخندق أحد أبشع الأوصاف التصويرية عندما يقابل دانتي الفارس الفرنسي دي بورن الذي مزق الوصال بين هنري الثاني و ابنه و تسبب في ثورة دموية مزقت أوصال الآلاف , فعقابه أن يتمزق رأسه و ينفصل و يحمله بين يديه كالمصباح ليرى به ظلمات الطريق أمامه .
خندق مخضب باللون الأحمر . لمحة تصويرية أراد دانتي منها غرس فكرة بشاعة الحرب و الانشقاق ..
ترك دانتي الخندق الأخير و عينه مغرورقة بدموع الفظائع التي ألزم برؤيتها , عنفه فيرجيل على ضعفه , و لكن دانتي هذه المرة لم يتعاطف مع الذنب على الإطلاق , نزل دانتي للخندق الأخير في الماليبولجي الجهنمية لتقع عيناه على من ارتكبو خطيئة التزييف " الخيميائيين ,السحرة, منتحلي الشخصية لغرض الشر" و قد أصابتهم كل عاهة و طاعون يستطيع أن يفكر بهم الشخص , من الجوع و العطش إلى الجرب و البرص ’ فكما أن طبيعتهم المريضة في الدنيا هي التي قادتهم للغش و التزوير , فليذوقوا ما جنته أيديهم ..
حيث يعرض دانتي الرسول كمنشق من المسيحية لهذا لم يقم بضمه لبقية الأنبياء المزيفين , كما يلقي بلائمة الانشقاق بين السنة و الشيعة على علي ..
من يستطيع أبدا ولو بمنثور الكلام
مهما كانت كلماته حرة طليقة
أن يشبع الحديث عن الدم و الجروح
التي تغزو ناظري الآن ؟
حقا إن كل لسان سيفشل
لأن عقولنا و ألفاظنا و أفئتدنا
تعوزها الكفاية عن إدراك هذا كله .
كما نجد في هذا الخندق أحد أبشع الأوصاف التصويرية عندما يقابل دانتي الفارس الفرنسي دي بورن الذي مزق الوصال بين هنري الثاني و ابنه و تسبب في ثورة دموية مزقت أوصال الآلاف , فعقابه أن يتمزق رأسه و ينفصل و يحمله بين يديه كالمصباح ليرى به ظلمات الطريق أمامه .
خندق مخضب باللون الأحمر . لمحة تصويرية أراد دانتي منها غرس فكرة بشاعة الحرب و الانشقاق ..
خندق الطواعين و الأمراض
ترك دانتي الخندق الأخير و عينه مغرورقة بدموع الفظائع التي ألزم برؤيتها , عنفه فيرجيل على ضعفه , و لكن دانتي هذه المرة لم يتعاطف مع الذنب على الإطلاق , نزل دانتي للخندق الأخير في الماليبولجي الجهنمية لتقع عيناه على من ارتكبو خطيئة التزييف " الخيميائيين ,السحرة, منتحلي الشخصية لغرض الشر" و قد أصابتهم كل عاهة و طاعون يستطيع أن يفكر بهم الشخص , من الجوع و العطش إلى الجرب و البرص ’ فكما أن طبيعتهم المريضة في الدنيا هي التي قادتهم للغش و التزوير , فليذوقوا ما جنته أيديهم ..

نهر الجحيم المتجمد "كوسيتس" ..
الطبقة الأخيرة من الجحيم و التي يمثل بها من هو خائن لأهله , وطنه , و صحبته ..
الطبقة محاطة بالمردة الإغريقية Titans , كرمز لثورة العمالقة ضد الآلهة الإغريقية قبل أن يتم سجنهم في تارتاروس أسفل مملكة الظلام هيدز .
هنا تتبدل طبيعة الجحيم من لظى سعير حارق , إلى جحيم يجمد حتى الدموع و الأنفاس و الدماء في العروق ..
هنا يجد دانتي الآثمين وهم مغمورون بالجليد حتى رقابهم و كلما زادت درجة الخيانة غمر الآثم بالجليد حتى يحرم من أنفاسه ..
اختلاف طبيعة الجحيم يعكس شناعة هذا الإثم كما يرمز للطبيعة القذرة للمخلوقات التي ارتكبت خطيئة الخيانة ضد أهلهم و ربهم بدم بارد ..
لو كانت لي قواف لاذعة خشنة
تناسب الهوة البائسة التي ارتكزت فوقها سائر الصخور
لوفيت التعبير عن عصارة فكري
لكن ما دمت لا أملكها فلن أحمل نفسي على القول دون رهبة
فوصف هذا المكان مركز الأرض و الجحيم ليست بالمهمة العابثة
فلتساعد شعري ربات الفن حتى لا يجافي الحقيقة كثيرا
يا من تجاوزتم أسوأ حثالة خلقت
يا من هم في موضع يصعب حتى الحديث عنه
كان خيرا لكم لو خلقتم ماعزا أو نعاجا
يمر دانتي بطبقة قابيل في نهر الجحيم المتجمد , قابيل الذي قتل أخاه من أجل امرأة فخلده إثمه هذا مع أسفل السافلين , يقابل إسكندر و نابليون الأخوين الإيطاليين اللذان غدرا ببعضهما ..
استمر دانتي بجر خطاه المثقلة وسط الآثمين حتى وقع ناظره على رجل مجمد ينهش في رأس رجل آخر مغمور بالجليد , وقف دانتي مطالبا الرجل بالتعريف بنفسه و قصته و سبب نهشه لغريمه ..
الكانتو الثالث و الثلاثين يحكي أحد أشهر فصول جحيم دانتي و هي قصة الكاونت أوجولينو و الأسقف الأكبر روجيري الذي خانه و رمى به مع أطفاله بالسجن , حتى شهدهم الكاونت يقضون من الجوع واحدا تلو الآخر , فنهش من جثثهم و أكلهم , فقضت عدالة السماء أن ينهش غريمه الذي خانه و رمى به في السجن ..

تخيل منظر الأب مع أطفاله في السجن وهم يقضون نحبهم الواحد تلو الآخر من الجوع يفطر القلب , كما أن تخيل أن الأب مزقه الجوع لدرجة أنه شرع في نهش أطفاله لا يوصف !!
عدالة شعرية قاصمة هي التي جعلت المسؤول عن هذه الكارثة ينهش رأسه أبديا من قبل الأب نفسه ..

أمير الجحيم "لوسيفر"
مركز الأرض , و الطبقة الأخيرة من الجحيم حيث يقبع أشنه الآثمين وهم الخونة ضد من أحسن إليهم خالقهم و أرباب نعمتهم , هنا اغتشى الخوف دانتي و تمكن منه كليا , فلم يقترب من الآثمين الذين سجنوا تماما بالجليد و شوهت خلقتهم إلى أبد الآبدين ..
ارتعدت فرائص دانتي فلم يعد بالحي أو الميت عندما اقترب من نهاية الجحيم و رأى الآثم الأكبر , ملاك النور الذي أبدع الله صنعه و أعطاه من ملكوته و جبروته , فتكبر عليه و ثار تائقا للمزيد من القوة و السلطة , فدحره ميكائيل قائد ملائكة الرب و طرده من الجنة , و مسخه الله .
عدالة شعرية نراها فيمن أراد صوتا أعلى من الله و قوة تفوق قوته , فيراه دانتي مخلوقا بشعا ذو رؤوس ثلاثة متعددة الأجنحة , مسجونا في جحيم ثلجي حتى صدره , و الشيء الوحيد الذي يقدر عليه هو أن يعاقب نفسه بنفسه عندما تتحرك أجنحته فتزداد عنفوان عاصفة الصقيع التي تمزقه و تسجنه ..و يمضغ في كل فم من رؤوسه الخونة يهوذا الحواري بروتوس و كاسيوس خونة جوليوس سيزر ...الذي قدر عليهم أن يمكثوا في فم لوسيفر الذي يحاول مضغهم و طحنهم إلى أبد الآبدين فلاهو بالقادر على هذا لضعفه و حقارته ..
تصوير رمزي للثالوث المشوه فكما أن الله كلي القدرة , الجمال , المعرفة و القوة نرى لوسيفر كلي الضعف القبح و العجز ..
ينزل دانتي و فيرجل باستخدام عنق لوسيفر و شعره , حتى شعر انتي أنه يصعد عوضا عن الهبوط , فأخبره فيرجل أن هذا الطريق يؤدي إلى الأرض من الجهة الأخرى ..بدت نجوم السماء مؤذنة بانتهاء هذا الفصل العسير من الرحلة نحو الله ...و ابتداء رحلة المطهر ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق