الأحد، 9 ديسمبر 2012

المفكر السعودي "المسخ"


"ذات صباح ,أفاق غريغور سامسا من نوم مثقل بالأحلام وقد وجد نفسه متحولا لحشرة ضخمة !" ..

بهذه الصاعقة ابتدأ الأديب التشيكي "الكابوسي" فرانزا كافكا رائعته المريضة الانمساخ metamorphosis , وهي لعمري من أكثر المقدمات التي هزتني في تاريخ الأدب الروائي , وقد نحى "مريضنا" كافكا إلى اعتماد التصوير الفوق واقعي بأبشع صوره حتى ينقل لنا باستخدام أدواته الوصفية المتطورة أقسى صور الاغتراب , تمزيق الضمير منتهيا بتوصيف بشع لسدرة المنتهى التهميشية ممثلا بكنس جثمان "المغترب" خارج المنزل ! ..

عبقرية هذه الرائعة "الكابوسية" تتمثل بجلاء ببعد أداوتها "الفوق واقعية" و قرب معانيها "الملامسة" لواقع يتكرر كثيرا على صعيد شخصي ,عاطفي أو حتى مجتمعي ..

قفز لذهني هذا "الكابوس" عندما كنت أتأمل كثبا في واقع الكثير من مثقفي هذا البلد و مفكريه , و كيف أن اليد القدرية التي أجبرت "غريغور" على "الانسلاخ " من طبيعته البشرية ,استبدلت بيد "موروث جمعي " أجبر هذا المفكر على "الانسلاخ" من انتمائه "المجتمعي" ..

لا نكاد نجد بلدا غنيا في مكان في العالم يعاني من ظاهرة نزيف و استنزاف المفكر و المبدع كما تجده في هذا البلد , عندما "يستفرد" المفكر برؤية إصلاحية لمجتمع ينتمي له و يحبه ,و يقابله هذا المجتمع بأقسى الأحكام التصنيفية و الإقصائية , هذا المنظور يساهم في تشكيل الطبيعة "الاغترابية" للمثقف كما حصل لصرصار كافكا , متبعا بصراع داخلي يعتمر في نفس المثقف بين "ولائه لوطنه و رغبته في الارتقاء به" و بين " أنا حي هنا أرزق فلتزأر العاصفة" ..

ينتهي هذا الصراع بتغلب أحد السيناريوهات التالية , تغلب ثقافة اللامبالاة فيتم اغتيال و تهميش "المفكر" و يبقى "الإنسان المستنسخ" , أو بتغلب "النزعة الوطنية" فيتم مجازاة هذا المثقف بتهميش و إقصاء مجتمعي بين قبضة مؤسساتية إكليروسية منتفعة لا ترحم ,و سياسي ضبابي النزعة البراغماتية , و موروث مجتمعي قاس على من يرغب بتغييره ..

انتهى "الكابوس" الكافكي بجثة ميتة يتم "كنسها" ..كلي أمل ألا يلقى "مفكرونا" المصير نفسه ..على يد من يبذلون الغالي و الرخيص للارتقاء به .
.

هناك تعليق واحد:

  1. Will I be that Giant Bug of Kafka when I go back? Read this few times and worryingly wondering!

    ردحذف